"ديب سيك".. هل خسرت الشركات الكبرى تفوقها أمام "الذكاء الصيني"؟
هزّت شركة "ديب سيك" الصينية الصغيرة مؤخرًا قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي بإطلاقها نموذجًا منخفض التكلفة، لكنه عالي الأداء، ما دفع كثيرين لإعادة النظر في هيمنة الشركات الكبرى على هذا القطاع، وطرح تساؤلات جوهرية: هل كسرت "ديب سيك" احتكار عمالقة التكنولوجيا للذكاء الاصطناعي؟ وهل بدأ "الذكاء الصيني" ينتزع التفوق من الغرب في هذا المجال الحيوي؟
نموذج "آر1": تكلفة منخفضة، كفاءة عالية
في وقتٍ تضخ فيه شركات مثل "أوبن إيه آي" و"غوغل" و"أنثروبيك" مليارات الدولارات لتطوير نماذجها الذكية مثل "تشات جي بي تي" و"جيميناي" و"كلود"، استطاعت "ديب سيك" أن تطور نموذجها الجديد "آر1" بميزانية لم تتجاوز 6 ملايين دولار فقط. المفاجأة لا تكمن فقط في التكلفة، بل في أن "آر1" لم يعتمد على الرقائق المتقدمة ولا على مراكز بيانات عملاقة، بل استُخدمت معالجات محدودة، ومع ذلك نجح النموذج في تقديم أداء تنافسي أثار دهشة المتابعين.
كسر الاحتكار.. وبداية "تسليع" الذكاء الاصطناعي
لقد أحدثت "ديب سيك" ما يشبه الزلزال في صناعة الذكاء الاصطناعي، ليس فقط بإطلاقها نموذجًا متطورًا، بل بكشفها عن أن السباق نحو التفوق لم يعد حكرًا على الشركات الضخمة ذات الموارد الهائلة. فهذه الخطوة أعادت إلى الواجهة مفهوما كان يتبلور بصمت في الأشهر الماضية: "تسليع" الذكاء الاصطناعي التوليدي، أي جعله منتجًا متاحًا على نطاق واسع، وبأسعار معقولة، ما يفتح الباب أمام لاعبين جدد ويدفع نحو تنويع الابتكار.
"كوين 2.5-ماكس" من علي بابا: تعزيز الهجوم الصيني
وفي أعقاب نجاح "ديب سيك"، سارعت مجموعة "علي بابا" إلى إطلاق نموذجها الجديد "كوين 2.5-ماكس"، مؤكدة أنه يتفوق على النماذج الحالية من حيث الأداء. هذا التحرك السريع عكس رغبة الصين في فرض حضورها بقوة في سوق الذكاء الاصطناعي، وتأكيد أنها لا تكتفي بمنافسة الغرب، بل تسعى للريادة.
الشركات الكبرى في موقف دفاعي
اللافت أن إطلاق "تشات جي بي تي 4.5" في فبراير الماضي لم يحظَ بالزخم الإعلامي المعتاد، في إشارة إلى أن "الانبهار" بنماذج الشركات الكبرى بدأ يتراجع. ويقول توماس وولف، المؤسس المشارك لمنصة "هاغينغ فايس"، إن "تكلفة إطلاق النماذج تتقلص، والأهمية النسبية للنموذج الواحد بدأت تتلاشى". ويضيف: "العالم يتجه نحو تعدد النماذج، والحرية في الاختيار باتت واقعا ملموسًا".
من يربح السباق المقبل؟
الذكاء الاصطناعي لم يعد ساحة يتصدرها بضعة عمالقة فقط. دخول شركات صينية مثل "ديب سيك" على خط المنافسة، وتقديمها نماذج قوية وفعالة بتكاليف منخفضة، يمثل تحديًا حقيقيًا للهيمنة الغربية. ومع تصاعد هذه الديناميكية، يبدو أن موازين القوى في مجال الذكاء الاصطناعي على وشك التغير جذريًا. فهل نحن أمام مرحلة جديدة من الابتكار المفتوح والتنافس المتعدد، أم أن الشركات الكبرى ستجد وسائل للحفاظ على تفوقها؟ الجواب سيتضح في جولات السباق المقبلة.
على مدار العامين الماضيين، رسخت برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي حضورها في المشهد العالمي بقوة، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الأدوات الرقمية التي يعتمد عليها الأفراد والشركات. من بين أبرز هذه البرامج، "تشات جي بي تي" من "أوبن إيه آي"، و"كلود" من شركة "أنثروبيك"، و"جيميناي" من "غوغل"، والتي استطاعت أن تفرض نفسها بفضل استثمارات ضهل ترغب في مقارنة تفصيلية بين أداء "آر1" والنماذج الغربية؟خمة بمليارات الدولارات تم توجيهها لاستقطاب أفضل المهندسين وبناء البنية التحتية المتطورة من رقائق، وخوادم، ومراكز بيانات.
نموذج صيني بتكلفة بسيطة يغير قواعد اللعبة
لكن المفاجأة جاءت من الصين، حيث نجحت شركة "ديب سيك" في قلب الموازين بإطلاق نموذجها الجديد "آر1"، الذي صمم باستخدام عدد محدود من المعالجات، ودون الاعتماد على الرقائق الأكثر تطورًا. والأهم من ذلك، أن تكلفة تطوير هذا النموذج لم تتجاوز الستة ملايين دولار، وهي تكلفة زهيدة مقارنة بالميزانيات الضخمة التي أنفقتها الشركات الغربية لتطوير نماذجها.
وبعد أيام فقط من هذا الإطلاق، أعلنت مجموعة "علي بابا" الصينية عن طرح نموذجها الجديد "كوين 2.5-ماكس"، مؤكدةً تفوقه على النماذج الحالية من حيث الكفاءة والأداء. هذا التنافس المحموم بين الشركات الصينية والعالمية بات يعكس ظاهرة جديدة أطلق عليها الخبراء "تسليع الذكاء الاصطناعي التوليدي"، أي جعله متاحًا على نطاق واسع وبتكاليف منخفضة.
عالم متعدد النماذج
ويؤكد توماس وولف، المؤسس المشارك لمنصة "هاغينغ فايس" المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، أن تكلفة تطوير وإطلاق النماذج الذكية بدأت في التقلص تدريجيًا، ما يجعل مسألة الاعتماد على نموذج واحد أقل أهمية مما كانت عليه سابقًا. ويقول وولف: "الناس يتجهون نحو عالم متعدد النماذج، حيث يكون لدى المستخدمين حرية الاختيار بين عدة نماذج تقدم خدمات متنوعة. وهذه الحرية أمر مذهل".
كما أشار وولف إلى أن الاستقبال الفاتر من قِبل وسائل الإعلام والصناعة لإطلاق نموذج "تشات جي بي تي 4.5" في نهاية فبراير، يعكس هذا التغير في التوجهات، حيث لم يعد السوق يتركز على لاعب واحد أو اثنين، بل باتت المنافسة مفتوحة، والنماذج تتقارب في الإمكانات.